الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال اللقاني: الظاهر قاض بما عليه الأشعري والعدول عن الظاهر من غير داع غير مرضي عند العدول، وكلامه صريح في أنه عرض.وتوقف بعض العلماء القائلين بأنه وجودي في أنه جوهر أو عرض لما أن في بعض الأحاديث أنه معنى خلقه الله تعالى في كف ملك الموت، وفي بعضها أن الله تعالى خلقه على صورة كبش لا يمر بشيء يجد ريحه إلا مات، وجل عبارات العلماء أنه عرض يعقب الحياة أو فساد بنية الحيوان، والأول غير مانع والثاني رسم بالثمرة، وقريب منه ما قاله بعض الأفاضل: إنه تعطل القوى لانطفأ الحرارة الغريزية التي هي آلتها فإن كان ذلك لانطفأ الرطوبة الغريزية فهو الموت الطبيعي وإلا فهو الغير الطبيعي، والناس لا يعرفون من الموت إلا انقطاع تعلق الروح بالبدن التعلق المخصوص ومفارقتها إياه والمراد بالنفس النفس الحيوانية وهي مطلقًا أعم من النفس الإنسانية كما أن الحيوان مطلقًا أعم من الإنسان.والنفوس عند الفلاسفة ومن حذا حذوهم ثلاثة: النباتية. والحيوانية. والفلكية.والنفس مقولة على الثلاثة بالاشتراك اللفظي على ما حكاه الإمام في الملخص عن المحققين.وبالاشتراك المعنوي على ما يقتضيه كلام الشيخ في الشفاء، وتحقيق ذلك في محله، وأرادة ما يشمل الجميع هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقال بعضم: المراد بها النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفي خلود البشر، واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر أنواع الحيوان ولا يضر ذلك بالسوق بل هو أنفع فيه، ولا شك في موت كل من أفراد تلك الأنواع، نعم اختلف في أنه هل يصح إرادة عمومها بحيث تشمل نفس كل حي كالملك وغيره أم لا بناء على الاختلاف في موت الملائكة عليهم السلام والحور العين فقال بعضهم: إن الكل يموتون ولو لحظة لقوله تعالى: {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] وقال بعضهم: إنهم لا يموتون لدلالة بعض الأخبار على ذلك، والمراد من كل نفس النفوس الأرضية والآية التي استدل بها مؤولة بما ستعلمه إن شاء الله تعالى وهم داخلون في المستثنى في قوله تعالى: {وَنُفِخَ في الصور فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله} [الزمر: 68] أو لا يسلم أن كل صعق موت، وقال بعضهم: إن الملائكة يموتون والحور لا تموت، وقال آخرون: إن بعض الملائكة عليهم السلام يموتون وبعضهم لا يموت كجبريل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام ورجح قول البعض، ولا يرد أن الموت يقتضي مفارقة الروح البدن والملائكة عليهم السلام لا أبدان لهم لأن القائل بموتهم يقول بأن لهم أبدانًا لَكِنها لطيفة كما هو الحق الذي دلت عليه النصوص، وربما يمنع اقتضاء الموت البدن.وبالغ بعضهم فادعى أن النفوس أنفسها تموت بعد مفارقتها للبدن وإن لم تكن بعد المفارقة ذات بدن، وكأنه يلتزم تفسير الموت بالعدم والاضمحلال، والحق أنها لا تموت سواء فسر الموت بما ذكر أم لا، وقد أشار أحمد بن الحسين الَكِندي إلى هذا الاختلاف بقوله:
وذهب الإمام إلى العموم في الآية إلا أنه قال: هو مخصوص فإن له تعالى نفسًا كما قال سبحانه حكاية عن عيسى عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا في نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ} [المائدة: 116] مع أن الموت مستحيل عليه سبحانه، وكذا الجمادات لها نفوس وهي لا تموت، ثم قال: والعام المخصوض حجة فيبقى معمولًا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه، وذلك يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية أنها لا تموت اهـ. وفيه أنه إن أراد بالنفس الجوهر المتعلق بـ البدن تعلق التدبير والتصريف كما قاله الفلاسفة ومن وافقهم أو الجسم النوراني الخفيف الحي المتحرك النافذ في الأعضاء الساري فيها سريان ماء الورد في الورد كما عليه جمهور المحدثين وذكر له ابن القيم مائة دليل فالله تعالى منزه عن ذلك أصلًا.وكذا الجمادات لا تتصف بها على الشائع، وأيضًا ليس للأرواح البشرية والعقول المفارقة عند الفلاسفة نفسًا بأحد ذينك المعنيين فكيف يبطل بالآية الكريمة قولهم، وإن أراد بها الذات كما هو أحد معانيها جاز أن تثبت لله تعالى وقد قيل به في الآية التي ذكرها، وكذا هي ثابتة للجمادات لَكِن يرد عليه أنه إن أراد بالموت مفارقة الروح للبدن أو نحو ذلك يبطل قوله وذلك يبطل الخ لأن الأرواح والعقول المذكورة لا أبدان لها عند الفلاسفة فلا يتصور فيها الموت بذلك المعنى، وإن أراد به العدم والاضمحلال يرد عليه أن الجمادات تتصف به فلا يصح قوله وهي لا تموت، وبالجملة لا يخفى على المتذكر أن الإمام سها في هذا المقام، ثم إن معنى كون النفس ذائقة الموت أنها تلابسه على وزجه تتألم به أو تلتذ من حيث أنها تخلص به من مضيق الدنيا الدنيئة إلى عالم الملكوت وحظائر القدس كذا قيل.والظاهر أن كل نفس تتألم بالموت لَكِن ذلك مختلف شدة وضعفًا، وفي الحديث: «إن للموت سكرات» ولا يلزم من التخلص المذكور لبعض الناس عدم التألم، ولعل في اختيار الذوق إيماء إلى ذلك لمن له ذوق فإن أكثر ما جاء في العذاب، وقال الإمام: إن الذوق إدارك خاص وهو هاهنا مجاز عن أصل الإدراك ولا يمكن إجراؤه على ظاهره لأن الموت ليس من جنس الطعام حتى يذاق، وذكر أن المراد من الموت مقدماته من الآلام العظيمة لأنه قبل دخوله في الوجود ممتنع الإدراك وحال وجوده يصير الشخص ميتًا والميت لا يدرك.وتعقب بأن المدرك النفس المفارقة وتدرك ألم مفارقتها البدن {وَنَبْلُوكُم} الخطاب إما للناس كافة بطريق التلوين أو للكفرة بطريق الالتفات أي نعاملكم معاملة من يختبركم {بالشر والخير} بالمكروه والمحبوب هل تصبرون وتشكرون أولًا.وتفسير الشر والخير بما ذكر مروي عن ابن زيد، وروى عن ابن عباس أنهما الشدة والرخاء، وقال الضحاك: الفقر والمرض والغنى والصحة، والتعميم أولى، وقدم الشر لأنه اللائق بالمنكر عليهم أو لأنه ألصق بالموت المذكور قبله.وذكر الراغب أن اختبار الله تعالى للعباد تار بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فالمنحة والمحنة جميعًا بلاء فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر فالمنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر رضي الله تعالى عنه: بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر، ولهذا قال على كرم الله تعالى وجهه: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله اهـ. ولعله يعلم منه وجه لتقديم الشر {فِتْنَةً} أي ابتلاء فهو مصدر مؤكد لنبلوكم على غير لفظه. وجوز أن يكون مفعولًا له أو حالًا على معنى نبلوكم بالشر والخير لأجل إظهار جودتكم ورداءتكم أو مظهرين ذلك فتأمل ولا تغفل {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} لا إلى غيرنا لا استقلالًا ولا اشتراكًا فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال، فهو على الأول من وجهي الخطاب وعد ووعيد وعلى الثاني منهما وعيد محض.وفي الآية إيما إلى أن المراد من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعريض للثواب والعقاب.وقرئ {يَرْجِعُونَ} بياء الغيبة على الالتفات. اهـ.
وقول الشافعيّ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} أي: نختبركم بما يجب فيه الصبر من المصائب، وما يجب فيه الشكر من النعم: {فِتْنَةً} أي: اختبارًا. وهو مصدر مؤكد لـ {لنبلوكم} من غير لفظه: {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} أي: فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر.قال الزمخشري: وإنما سمى ذلك ابتلاءً، وهو عالم بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم، لأنه في صورة الاختبار، أي: فهو استعارة تمثيلية. قال القاضي: وفي الآية إيماء بأن المقصود من هذه الحياة الابتلاء والتعريض للثواب والعقاب تقريرًا لما سبق. وقدم الشر لأنه اللائق بالمنكر عليهم. اهـ.
|